كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين} [القصص].
نعوذ بالله من اللغو والجهل والخوض فيما لا يعنينا وقوله تعالى: {إلا سلاما} استثناء منقطع أي: ولكن يسمعون قولًا يسلمون فيه من العيب والنقيصة أو سلامًا من الله أو من الملائكة أو من بعضهم على بعض ويجوز أن يراد باللغو مطلق الكلام قال في القاموس لغا لغوًا تكلم، فيكون الاستثناء متصلًا أي: لا يسمعون فيها كلامًا إلا كلامًا يدل على السلامة أو سلامًا من الله أو من الملائكة أو من بعضهم على بعض.
ثالثها: قوله تعالى: {ولهم رزقهم فيها} أي: على ما يتمنونه ويشتهونه على وجه لابد من إتيانه ولا كلفة عليهم فيه ولا منة عليهم به {بكرةً وعشيًا} أي: على قدرهما في الدنيا وليس في الجنة نهار ولا ليل بل ضوء ونور أبدًا وقيل: إنهم يعرفون النهار برفع الحجب والليل بإرخائها، فإن قيل: المقصود من هذه الآيات وصف الجنة بأحوال مستعظمة ووصول الرزق إليهم بكرةً وعشيًا ليس من الأمور المستعظمة أجيب بوجهين؛ الأوّل: قال الحسن: أراد الله تعالى أن يرغب كل قوم بما أحبوه في الدنيا فلذلك ذكر أساور الذهب والفضة ولبس الحرير التي كانت عادة العجم والأرائك التي هي الحجال المضروبة على الأسرّة وكانت عادة أشراف اليمن ولا شيء كان أحب إلى العرب من الغداء والعشاء فوعدهم بذلك الثاني أنّ المراد دوام الرزق تقول أنا عند فلان صباحًا ومساءً وبكرةً وعشيًا تريد الدوام ولا تقصد الوقتين المعلومين، وقيل: المراد رفاهية العيش وسعة الرزق أي: لهم رزقهم متى شاؤوا، ولما باينت بهذه الأوصاف دار الباطل أشار إلى علوّ رتبتها وما هو سببها بقوله تعالى: {تلك الجنة} بأداة البعد لعلو قدرها وعظم أمرها {التي نورث من عبادنا} أي: نعطي عطاء الإرث الذي لا كدّ فيه ولا استرجاع وتبقى له الجنة كما يبقى للوارث مال الموروث وقيل تنقل تلك المنازل ممن لو أطاع لكانت له إلى عبادنا الذين اتقوا ربهم فجعل النقل إرثًا قاله الحسن {من كان تقيًا} أي: المتقين من عباده.
فإن قيل: الفاسق المرتكب للكبائر لم يوصف بذلك الوصف فلا يدخلها؟.
أجيب: بأن الآية تدل على أن الجنة يدخلها المتقي وليس فيها دلالة على أن غير المتقي لا يدخلها وأيضًا صاحب الكبيرة متق عن الكفر ومن صدق عليه أنه متق عن الكفر فقد صدق عليه أنه متق وإذا كان صاحب الكبيرة يصدق عليه أنه متق وجب أن يدخل الجنة فدلالة الآية على أنّ صاحب الكبيرة يدخلها أولى من أن تدل على أنه لا يدخلها. واختلف في سبب نزول قول جبريل للنبيّ صلى الله عليه وسلم {وما نتنزل إلا بأمر ربك} فقال ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا» فنزلت الآية وقال مجاهد: أبطأ الملك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقال لعلى أبطأت قال: قد فعلت، قال: ولم لا أفعل وأنتم لا تتسوّكون ولا تقصون أظفاركم ولا تنقون براجمكم وقال وما نتنزل إلا بأمر ربك فنزلت وقال قتادة والكلبي احتبس جبريل عليه السلام عن النبيّ صلى الله عليه وسلم حين سأله قومه عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين والروح وسبب سؤالهم عن ذلك ما روي «أنّ قريشًا بعثت خمسة رهط إلى يهود المدينة يسألونهم عن صفة النبيّ صلى الله عليه وسلم وهل يجدونه في كتابهم وسألوا النصارى فزعموا أنهم لا يعرفونه وقالت اليهود نجده في كتابنا وهذا زمانه وقد سألنا رحمن اليمامة عن ثلاث فلم يعرف فسلوه عنهنّ فإن أخبركم عن خصلتين فاتبعوه فسألوه عن قصة أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح فلم يدر كيف يجيب فوعدهم أن يجيبهم غدًا ولم يقل إن شاء الله فاحتبس الوحي عنه أربعين يومًا وقيل خمسة عشر يومًا فشقّ ذلك عليه مشقة عظيمة وقال المشركون ودعه ربه وقلاه فلما نزل جبريل عليه السلام قال له النبيّ صلى الله عليه وسلم أبطأت حتى ساء ظني واشتقت إليك، قال إني إليك أشوق ولكني عبد مأمور إذا بعثت نزلت وإذا حبست احتبست فنزلت هذه الآية وأنزل قوله تعالى: {ولا تقولنّ لشيء إني فاعل ذلك غدًا إلا أن يشاء الله} [الكهف] وسورة الضحى» فإن قيل: قوله: {تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيًا} كلام الله وقوله: وما نتنزل إلا بأمر ربك كلام غير الله فكيف جاز عطف هذا على ما قبله من غير فصل؟
أجيب: بأنه إذا كانت القرينة ظاهرة لم يقبح كقوله تعالى: {إذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون} [البقرة].
وهذا كلام الله تعالى ثم عطف عليه قوله: {وأنّ الله ربي وربكم فاعبدوه} [مريم].
ثم علل جبريل قوله ذلك بقوله: {له ما بين أيدينا} أي: أمامنا من أمور الآخرة {وما خلفنا} أي: من أمور الدنيا {وما بين ذلك} أي: ما يكون من هذا الوقت إلى قيام الساعة أي: له علم ذلك جميعه وقيل: ما بين ذلك ما بين النفختين وبينهما أربعون سنة وقيل ما بين أيدينا ما بقي من الدنيا وما خلفنا ما مضى منها وما بين ذلك مدّة حياتنا وقيل: ما بين أيدينا بعد أن نموت وما خلفنا قبل أن نخلق وما بين ذلك مدّة الحياة وقيل: ما بين أيدينا الأرض إذا أردنا النزول إليها وما خلفنا السماء وما ينزل منها وما بين ذلك الهواء يريد أنّ ذلك كله لله فلا نقدر على شيء إلا بأمره {وما كان ربك} المحسن إليك {نسيًا} بمعنى ناسيا أي: تاركًا لك بتأخير الوحي عنك لقوله تعالى: {ما ودّعك ربك وما قلى} [الضحى].
أي: وما كان امتناع النزول إلا لامتناع الأمر به وما كان ذلك عن ترك الله تعالى لك وتوديعه إياك ثم استدل على ذلك بقوله: {رب السموات والأرض وما بينهما} فلا يجوز عليه النسيان إذ لابد أن يمسكهما حالًا بعد حال وإلا لبطل الأمر فيهما وفيمن يتصرّف، والآية دالة على أنّ الله تعالى رب لكل شيء حصل بينهما ففعل العبد مخلوق له تعالى لأنّ فعل العبد حاصل بين السماء والأرض.
تنبيه:
يجوز في رب أن يكون بدلًا من ربك وأن يكون خبر مبتدأ مضمر أي: هو رب وقوله تعالى: {فاعبده واصطبر لعبادته} خطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم مرتب على ما تقدّم أي: لما عرفت أنّ ربك لا ينساك فاعبده بالمراقبة الدائمة على ما ينبغي من مثلك واصطبر عليها ولا تتشوش بإبطاء الوحي وهزء الكفار بك.
فإن قيل: لم لم يقل واصطبر على عبادته لأنها صلته فكان حقه تعديه بعلى؟
أجيب: بأنه ضمن معنى الثبات لأنّ العبادة ذات تكاليف قلّ من يثبت لها فكأنه قيل اثبت لها مصطبرًا كقولك للمحارب اصبر لقرنك ثم علل ذلك بقوله: {هل تعلم له سميًا} قال ابن عباس: هل تعلم له مثلًا أي: نظيرًا فيما يقتضي العبادة والذي يقتضيها كون منعمًا بأصول النعم وفروعها وهي خلق الأجسام والحياة والعقل وغيرها، فإنه لا يقدر على ذلك أحد سواه سبحانه وتعالى وإذا كان قد أنعم عليك بغاية الإنعام وجب أن تعظمه بغاية التعظيم وهي العبادة.
وقال الكلبي هل تعلم أحدًا تسمى الله غيره فإنهم وإن كانوا يطلقون لفظ الإله على الوثن فما أطلقوا لفظ الله تعالى على شيء. ولما أمر تعالى بالعبادة والمصابرة عليها فكأنّ سائلًا سأل وقال هذه العبادة.
لا منفعة فيها في الدنيا وأمّا في الآخرة فقد أنكرها بعضهم فلابد من ذكر الدلالة على القول بالحشر حتى يظهر أنّ الاشتغال بالعبادة يفيد فلهذا حكى الله سبحانه وتعالى قول منكري الحشر فقال تعالى: {ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيًا} قال الكلبيّ: نزلت في أبيّ بن خلف حين أخذ عظامًا بالية فتتها بيديه ويقول زعم لكم محمد أنا نبعث بعدما نموت وقيل: نزلت في أبي جهل، وقيل: المراد جنس الكفار القائلين بعدم البعث ثم إنّ الله تعالى أقام الدليل على صحة البعث بقوله: {أولا يذكر الإنسان} أي: المجترئ بهذا الإنكار على ربه {أنّا خلقناه من قبل} أي: من قبل جدله {ولم يك شيئًا} أصلًا وأنا بمقتضى ذلك قادرون على إعادته فلا ينكر ذلك قال بعض العلماء لو اجتمع كل الخلائق على إيراد حجة في البعث على هذا الاختصار ما قدروا عليه إذ لا شك أن الإعادة ثانيًا أهون من الإيجاد أوّلًا. ونظيره قوله تعالى: {قل يحييها الذي أنشأها أوّل مرّة} [يس].
وقوله تعالى: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده} [الروم].
وهو أهون عليه وقرأ نافع وابن عامر وعاصم بسكون الذال وضم الكاف مخففة والباقون بفتح الذال مشدّدة وكذا الكاف.
فإن قيل: كيف أمر الله الإنسان بالتذكر مع أنّ التذكر هو العلم بما علمه من قبل ثم تخللهما سهو؟
أجيب: بأنّ المراد أولًا يتفكر فيعلم خصوصًا إذا قرئ أولا يذكر مشدّدًا، أمّا إذا قرئ مخففًا فالمراد أولًا يعلم ذلك من حال نفسه لأنّ كل أحد يعلم أنه لم يكن حيًا في الدنيا ثم صار حيًا. ثم إنه تعالى لما قرّر المطلوب بالدليل أردفه بالتهديد من وجوه أوّلها قوله تعالى: {فوربك} أي: المحسن إليك بالانتقام منهم {لنحشرنهم} بعد البعث {والشياطين} الذين يضلونهم بأن نحشر كل كافر مع شيطان في سلسلة وفائدة القسم أمران:
أحدهما: أن العادة جارية بتأكيد الخبر باليمين والثاني: في إقسام الله باسمه مضافًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تفخيم لشأنه ورفع منه كما رفع من شأن السماء والأرض في قوله تعالى: {فورب السماء والأرض أنه لحق} [الذاريات].
والواو في والشياطين يجوز أن تكون للعطف وبمعنى مع وهو أولى. ثانيها: قوله تعالى: {ثم لنحضرنهم} بعد طول الوقوف {حول جهنم} من خارجها ليشاهد السعداء الأحوال التي نجاهم الله تعالى منها وخلصهم فيزدادوا لذلك غبطة إلى غبطتهم وسرورًا إلى سرورهم ويشمتوا بأعداء الله وأعدائهم فتزداد مساءتهم وحسرتهم وما يغبطهم من سعادة أولياء الله وشماتتهم بهم وقوله تعالى: {جثيًا} حال مقدرة من مفعول لنحضرنهم وهو جمع جاث جمع على فعول نحو قاعد وقعود وجالس وجلوس وأصله جثوو بواوين أو جثوى من جثًا يجثو ويجثى لغتان.
فإن قيل: هذا المعنى حاصل للكل بدليل قوله تعالى: {وترى كل أمّة جاثية} [الجاثية].
ولأنّ العادة جارية بأنّ الناس في مواقف مطالبات الملوك يتجاثون على ركبهم لما في ذلك من القلق أو لما يدهمهم من شدّة الأمر التي لا يطيقون معها القيام على أرجلهم، وإذا كان هذا حاصلًا للكل فكيف يدل على مزيد ذل الكفار؟
أجيب: بأنهم يكونون من وقت الحشر إلى وقت الحضور على هذه الحالة وذلك يوجب مزيد ذلهم وقرأ حفص وحمزة والكسائي {جثيًا} و{عتيًا} وبكسر أوّلها والباقون بضمه ثالثها: قوله تعالى: {ثم لننزعنّ} أي: لنأخذن أخذًا بشدّة وعنف {من كل شيعة} أي: فرقة مرتبطة بمذهب واحد {أيهم أشدّ على الرحمن} الذي غمرهم بالإحسان {عتيًا} أي: تكبرًا مجاوزًا للحدّ والمعنى أنّ الله تعالى يحضرهم أوّلًا حول جهنم ثم يميز البعض من البعض فمن كان أشدّهم تمرّدًا في كفره خص بعذاب عظيم لأنّ عذاب الضال المضل يجب أن يكون فوق عذاب من يضل تبعًا لغيره وليس عذاب من يتمرّد ويتجبر كعذاب المقلد ففائدة هذا التمييز التخصيص بشدّة العذاب لا التخصيص بأصل العذاب، ولذلك قال تعالى في جميعهم: {ثم لنحن أعلم} من كل عالم {بالذين هم} بظواهرهم وبواطنهم {أولى بها} أي: بجهنم {صليًا} أي: دخولًا واحتراقًا فنبدأ بهم ولا يقال أولى إلا مع اشتراكهم وأصله صلوى من صلى بكسر اللام وفتحها.
تنبيه:
في إعراب {أيهم أشدّ} أقوال كثيرة أظهرها عند جمهور المعربين وهو مذهب سيبويه أن أيهم موصولة بمعنى الذي وإن حركتها حركة بناء بنيت عند سيبويه لخروجها عن النظائر و{أشدّ} خبر مبتدأ مضمر والجملة صلة لأيهم وأيهم وصلتها في محل نصب مفعول بها، ولأيّ أحوال أربعة ذكرتها في شرح القطر. ولما كانوا بهذا الإعلام المؤكد بالإقسام من ذي الجلال والإكرام جديرين بإصغاء الأفهام إلى ما توجه إليها من الكلام التفت إلى مقام الخطاب إفهامًا للعموم فقال تعالى: {وإن} أي: وما {منكم} أيها الناس أحد {إلا واردها كان} ذلك الورود {على ربك} الموجد لك المحسن إليك {حتمًا مقضيًا} أي: حتمه وقضى به لا يتركه والورود موافاة المكان فاختلفوا في معنى الورود هنا. فقال ابن عباس والأكثرون: الورود هاهنا هو الدخول والكناية راجعة إلى النار وقالوا يدخلها البرّ والفاجر ثم ينجي الله المتقين فيخرجهم منها ويدل على أنّ الورود هو الدخول قوله تعالى: {يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار} [هود].
وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار أنّ نافع بن الأزرق مارى ابن عباس في الورود فقال ابن عباس: هو الدخول وقال نافع ليس الورود الدخول، فتلا ابن عباس {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون} [الأنبياء]. أدخلها هؤلاء أم لا؟ ثم قال: يا نافع أما والله أنا وأنت سنردها وأنا أرجو أن يخرجني الله منها وما أرى الله يخرجك منها بتكذيبك، ويدل عليه أيضًا قوله تعالى: {ثم ننجي الذين اتقوا} أي: الكفر منها ولا يجوز أن يقول ثم ننجي الذين اتقوا {ونذر الظالمين} بالكفر {فيها جثيًا} على الركب ألا والكل واردون والأخبار المروية دالة على هذا القول روي أنّ عبد الله بن رواحة قال أخبر الله تعالى عن الورود ولم يخبر بالصدر فقال صلى الله عليه وسلم «يا ابن رواحة اقرأ ما بعدها {ثم ننجي الذين اتقوا}» فدلّ على أنّ ابن رواحة فهم من الورود الدخول ولم ينكر عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك وعن جابر أنه سأل عن هذه الآية فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الورود الدخول ولا يبقى برّ ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين بردًا وسلامًا حتى أنّ للنار ضجيجًا من بردها» ولأنّ حرارة النار ليست بطبعها فالأجزاء الملاصقة لأبدان الكفار يجعلها الله تعالى محرقة مؤذية والأجزاء الملاصقة لأجزاء المؤمنين يجعلها بردًا وسلامًا كما في حق إبراهيم عليه السلام وكما أنّ الملائكة الموكلين بها لا يجدون ألمها وكما في الكوز الواحد من الماء كان يشربه القبطي فيكون دمًا ويشربه الإسرائيلي فيكون ماء عذبًا.
وعن جابر بن عبد الله أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فقال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة وقال بعضهم لبعض أليس وعدنا ربنا أن نرد النار فيقال لهم قد وردتموها وهي خامدة» وخامدة بخاء معجمة أي: ساكنة وروي بالجيم أي: باردة ولابد من ذلك في الملائكة الموكلين بالعذاب حتى يكونوا في النار مع المعاقبين.
فإن قيل: فإذا لم يكن على المؤمنين عذاب في دخولهم فما الفائدة في ذلك الدخول؟
أجيب بوجوه؛ أحدها: أنّ ذلك مما يزيدهم سرورًا إذا علموا الخلاص منها.
ثانيها: أنّ فيه مزيد غم على أهل النار حيث يرون المؤمنين الذين هم أعداؤهم يتخلصون منها وهم يبقون فيها.
ثالثها: أنّ فيه مزيد غم على أهل النار حيث تظهر فضيحتهم عند المؤمنين.
رابعها: أنهم إذا شاهدوا ذلك العذاب صار سببًا لمزيد التذاذهم بنعيم الجنة، وقيل: المراد بالذين يردونها من تقدّم ذكرهم من الكفار فكنى عنهم أوّلًا كناية الغيبةثم خاطب خطاب المشافهة وعلى هذا القول فلا يدخل النار مؤمن واستدل له بقوله تعالى: {إنّ الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها} [الأنبياء: 102].
والمبعد عنها لا يوصف بأنه واردها ولو وردوا جهنم لسمعوا حسيسها بقوله تعالى: {وهم من فزع يومئذٍ آمنون} [النمل].
وروي عن مجاهد من حمّ من المؤمنين فقد وردها وفي الخبر الحمى كير من جهنم وهي حظ المؤمن من النار وفي رواية الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء وقوله من فيح جهنم أي: وهجها وحرّها وقال ابن مسعود وإن منكم إلا واردها يعني القيامة والكناية راجعة إليها قال البغوي والأوّل أصح وعليه أهل السنة وروي أنه يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير وفي رواية من إيمان وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إني لأعلم آخر أهل النار خروجًا منها وآخر أهل الجنة دخولًا الجنة رجل يخرج من النار حبوًا فيقول الله له: اذهب فادخل الجنة قال فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول وجدتها ملأى فيقول الله: له اذهب فادخل الجنة فإنّ لك مثل الدنيا وعشر أمثالها فيقول له أتسخر بي وأنت الملك فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه» فكان يقال ذلك أدنى أهل الجنة منزلة قوله حتى بدت نواجذه أي: أنيابه وأضراسه وقيل: هي أعلى الأسنان.